مقالات

نيفين منصور تكتب: الحب بين الحقيقة والسراب

خط أحمر

مفهوم الحب حير العديد من البشر .. منهم من يظن أن الحب تضحية .. وأن من يحب حبا حقيقيا عليه أن يضحي من أجل من يحب ويؤثره علي نفسه.. ومنهم من يظن أن الحب مشاركة متكافئة ، عطاء بقدر ورد للعطاء بنفس القدر فتصبح العلاقة بين الطرفين متوازنة بين الأخذ والعطاء.

ومنهم من يظن أن الحب لا وجود له وتكفي المودة والرحمة التي أمرنا المولي عز وجل أن نتعامل بها وخصوصا في الزواج.. ومنهم من يظن أن الحب أنانية وامتلاك وأن من يحب يجب أن يسيطر علي حياة الطرف الآخر لدرجة تصل إلي الاستحواذ عليه وسلب حريته .. المفاهيم تختلف وردود الأفعال أيضاً تختلف ويظل الصراع قائماً بين الحب الحقيقي والسراب .

والسؤال الأهم هل تستقيم الحياة بلا حب؟ وهل تستمر العلاقات المبنية علي المصلحة أم علي الحب؟ في حقيقة الأمر أن الحب الحقيقي من نعم المولي عز وجل التي أنعم علينا بها ويدوم ما دامت الحياة .. ونجد من حولنا العديد من النماذج لأزواج عاشوا عمراً طويلاً دام لسنوات متعددة قد تصل لأكثر من ثلاثين عاما وقد تتعدي هذا الرقم بكثير ..

نماذج قليلة ولكنها حقيقية بدأت باشتعال الحب في بداية الطريق وتُرجِم الحب إلي زواج .. واستمر رغم صعوبات الحياة .. وكلما زادت الحياة في قسوتها .. زاد الحب في القلوب .. وتحمل كل طرف الحياة بما فيها من ابتلاء من أجل من يحب .. رأيت في حياتي تلك النماذج وشاهدت لهفة الحب التي جعلت من هؤلاء مثلا يُحتذي به رغم اختلاف الشخصيات ..

من تلك النماذج من عانوا بسبب المرض وشدته وقسوته .. زوج مريض وزوجة تعشق زوجها .. تَحَمَّل هو المرض في صمت حتي لا يُثقِل عليها .. كان يخشي أن يشتكي لحبيبته آلام المرض حبا فيها وخوفا عليها من الحزن .. الذي إذا سكن القلوب يُدمرها .. وتحملت هي عناء الخدمة ومعاناة غلاء ثمن العلاج وفعلت المستحيل لتحافظ عليه وعلي حياته وتحدت المرض بكل ما فيه ولم تفقد الأمل في الشفاء.. حباً في زوجها .. لم تشكو ولم تظهر له تلك المعاناة.. لم تري عيناها النوم ولم تهدأ .. حتي توفاه الله .. وعاشت علي ذكراه .. تتألم من مرارة الفراق ..

ورأيت أيضا من عاشوا في سراب الحب.. لم يصلوا إليه يوماً ولم يشعروا بلهفته.. من ضمن تلك النماذج من تزوجوا تحت مسمي الحب الذي دام لسنوات ثم تحولت تلك العلاقة إلي قيود تخنق أصحابها.. فقد زالت لهفة الحب حينما اصطدموا بالواقع المرير .. واتضح لكل منهم اختلاف الطباع والشخصية الذي قضي علي تلك المشاعر الوهمية وأظهر الحقيقة فتحول الحب إلي سراب وتمني كل منهم أن يعود الزمن للوراء ليعيدوا الاختيار .. منهم من حاول بالفعل الانفصال ومنهم من اضطر إلي التحمل من أجل أولاده وربما من أجل المال أو من أجل صعوبة الحياة بعد الطلاق.. وغيمت الحياة بغيمة التعاسة وتحولت الأيام إلي مجرد أرقام تُعَد وسنوات تُحْصَي .. تُشبه بعضها بعض .. وتمضي في صمت..

ورأيت من عاشوا العمر في محاولات للوصول إلي حالة من الحب .. بدأت بزواج متوازن شكلاً .. ثم تحول إلي شقاء .. فقد زالت بهجة الفَرْح الأولي التي يتمناها كل من أقدم علي الزواج.. وظهرت الحقيقة الصادمة .. منهم من عاصَرْت مرارة حياته .. وشَهِدْت علي سلسلة من الصدمات .. لزوجة تزوجت في سن صغير .. وأحبت زوجها .. وسرعان ما تحولت الحياة إلي مأساة.. فالزوج لا يكتفي بواحدة .. ويبحث باستمرار عن أخري .. وأخري .. وهي تحاول جاهدة أن تكسب قلبه حتي يأست .. فأقنعت نفسها أن تكتفي بالمصلحة فيما بينهما.. وأن حياة أولادها هي غايتها .. وحاولت الانفصال الجزئي.. حتي تحافظ علي الشكل العام للأسرة أمام المجتمع.. ثم يتدخل القدر .. ليمرض زوجها ويتوفاه المولي عز وجل..

كانت صدمتها كبيرة .. وظلت في حالة من الحزن تحاول أن تستوعب ما حدث.. لم تكن الصدمة حُزْنا عليه بقدر ما كانت حُزْناً علي نفسها .. وهي تراجع حياتها المزيفة التي طالت وامتدت لسنوات .. و هي تحاول جاهدة أن تحافظ عليه حتي فقدت الأمل.. ثم ابتعدت بقرار زائف .. ثم اصطدمت بموته .. وانهيار كل ما تَحَمَلت من أجله أمام عينيها .. فقد اكتفت لسنوات بمستوي الحياة الذي كان يوفره لها نظير أن يحتفظ بحريته ، دون أن تصبح رقيب عليه.. حتي رحل فانهارت الحياة.. بكل ما فيها من ذكريات بائسة .. وعُمر ضائع.. وحب لم يتواجد.. وسراب زاد الحياة قسوة.

وتتعدد النماذج وتختلف ويظل الحب حقيقة في بعض الحالات وسراب في حالات أخري .. ولكل منا أن يختار .. يبحث عن الحقيقة أم يتعايش مع السراب في صمت وتحمل .. منا من يستطيع أن يحول الحياة إلي مصالح متبادلة.. ومنا من يعيش تعيساً يبحث عن الحب دون أن يلقاه .

نيفين منصور الحب بين الحقيقة والسراب خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة