مقالات

نيفين منصور تكتب: الرعاع قادمون

خط أحمر

دائما ما نصف بعض الناس بالهمج والبعض الآخر يطلق عليهم الرعاع ويأتي في كل زمان مجموعة جديدة من البشر تمثل تلك الفئات ولكن بصور متباينة قد تكون أشرس في بعض الأزمنة أو فوضوية في البعض الآخر.

أدهشني ما وجدته في لسان العرب الذي وصف كلمة همج بالجوع وكانت تطلق علي البعوض لأنه إذا جاع عاش وإذا شبع مات.. واستنباط المعني قد جاء من متابعة البعوض الذي يتحرك باضطراب وسرعة عندما يجوع ويموت عندما يشبع من شدة ما تناوله من دماء، فأُطلق علي كلمه همج كلمة جوع وانتهي لسان العرب بعد الاستفاضة في شرح اشتقاق الكلمة إلي أن "الهمج في كلام العرب أصله البعوض"، ثم "يقال لرعاع الناس".

الخلاصة من تلك المفاهيم واشتقاق المعاني والتشبيهات أن الهمج والرعاع هم من يتصرفون بعشوائية واضطراب ودون قواعد واضحة حتي يشعر كل منهم بالارتواء والتشبع من غايته ثم ينتهي أمره.

والتاريخ يروي العديد من الحكايات التي توثق أفعال بعض البشر ممن يتسمون بتلك الصفات الغوغائية فمنهم من ارتكب بعض الجرائم الشنيعة من قتل وتعذيب بوحشية انتقامية ومنهم من خاض بعض الحروب الشرسة لصالح العديد من الملوك بحثاً عن الجاه والسلطة وحباً في السيطرة علي شعوب العالم المختلفة..

بالإضافة لما كان يحدث من عروض للجلادين والمتصارعين في حضور العديد من البشر وتعطش الجمهور من الرعاع لرؤية الدماء المتناثرة في كل مكان والتهليل للمنتصر عندما يقتل ضحيته ويُمَثِل بها وهم في أقصي درجات النشوي والسعادة..بالإضافة إلي تدريب العبيد علي الفنون القتالية بغرض الربح بعد إدراجهم في قوائم اللاعبين في ساحات العروض المختلفة..

وشهد التاريخ أيضا علي متعة بعض المحاربين في أكل لحم ضحيته البشرية .. حتي تحولت الوحشية لأمر ممتع عند البعض وأصبحت الدماء المتناثرة غاية يسعي إليها الكثيرون.

وعلي الرغم من وجود الحضارات وانتشار العلم والمعرفة والفنون والرسالات السماوية المختلفة إلا أن سلوك الرعاع ظل مستمراً علي مر العصور ..يقل ويزداد وفقا لواقع المجتمع من حولهم .. فأحياناً عندما يسيطر العدل والتدين علي المجتمع يختبيء الرعاع ويكمن سلوكهم حتي يحدث اضطراب جديد ينشط تفاعلهم مرة أخري فيظهروا بقوة وتسقط القواعد ثم تختفي وتنتشر الفوضي..

ثم يأتي من يجدد زهوة الدين وينشر السلام النفسي ويحاول أن يثقل العقول ويسجن الشعور الفوضوي لدي البعض وتستقر الحياة وتهدأ لفترة ثم تعود الفوضي من جديد.

ومن خلال متابعة التاريخ بمراحله المختلفة نجد أن تكرار ظهور الرعاع وذروة نشاطهم تبدأ بالاضطرابات السياسية والاقتصادية وحالة الفوضي ، والأهم من كل هذا هو غياب الوعي الديني السليم والمفاهيم السماوية للإنسانية والبر والتقوي .. فغياب الوعي يولد قسوة القلب ويعمي الأبصار ويغيب العقل ويطغى الفكر الشيطاني فيرتفع معدل الجريمة وتزداد الوحشية في التصرف..

في الآونة الأخيرة تابعنا جميعاً في حالة من الذهول والدهشة .. تطور وحشية الجريمة وتبلد المشاعر الذي أصبح علني ولم يعد في الخفاء والجرأة في استحداث أساليب يستنكرها العقل ، كحادث ذبح شاب علي يد صديقه بمدينة الإسماعيلية علي مرئ ومسمع من الجميع.. و قصة الأب الذي قيد ابنته بالسلاسل لفترة طويلة حتي لا تذهب إلي أمها بعد انفصاله عنها.. وحادث الزوج الذي اتفق مع آخرين علي اغتصاب زوجته للتشهير بها والتخلص منها .. وحوادث أخري تقشعر لها الأبدان وتجعلنا نقف في حيرة وصمت دون أن ندرك ما يحدث من حولنا.. هل علامات آخر الزمان تهرول إلينا أم أن ما يحدث ما هو إلا صورة جديدة لعصر ينتشر فيه الرعاع ؟

الغريب والملفت أن التصرف الهمجي والغوغائي لا يميز بعض الجهلة بالدين والعامة فقط بل ينتشر ويتوغل في جميع طبقات المجتمع وتنتشر الوحشية في التصرف والتعطش للإذلال ولتناثر الدماء.. فيظهر من حولنا بعض المتعلمين المصابين بالسادية وحب التعذيب فيذلوا من هم أضعف منهم أو مَن تحت سيطرتهم.. كما رأينا في بعض الحوادث التي تحدث من حولنا..

ما يحدث من غياب للوعي ومن سلوك متباين بين أفراد المجتمع الواحد وفساد من صنع البشر قد يولد مجموعة من النماذج الهمجية وقد تنتشر من جديد إذا لم ننتبه لخطورة ما يحدث من حولنا.. ومن هنا يظهر دور التجديد في الخطاب الديني وأهميته الملحة لإنقاذ العقول من التحجر والقلوب من العمي والتبلد الذي يصيب المشاعر .. وقد حذرنا المولي عز وجل في كتابه الكريم حيث قال (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )

يجب أن نتنبه جميعاً أن الحوادث مهما كانت فردية فقسوتها تدق ناقوس الخطر وتحذر من هول عدم إحكام السيطرة علي النفوس التي تفقد القدرة علي السيطرة علي وحشيتها وتنذر بأن مرحلة جديدة قد تأتي علينا ينتشر فيها الرعاع..

نيفين منصور الرعاع قادمون خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة