مقالات

الدكتور عادل عامر يكتب: الاعتداء على المال الخاص للمرأة 

خط أحمر

من أهم الحقوق الإنسانية للبشر ذكورا وإناثا؛ حق التملك والتصرف في المال الذي أقرته الشريعة الإسلامية للرجل والأنثى دون أدنى تمييز بينهما، بل جاءت الشريعة بشأنه بأحكام وشرائع لحفظه وصيانته وعدم العبث به.

كما أن شخصية المرأة في الفقه الإسلامي منفصلة تماما عن الزوج والأب تماما منذ بداية الإسلام، وليس لأحد سلطة على مال المرأة سواء بسواء مثل مال الرجل، وهذا الأمر الذي لم يحدث في أوروبا إلا متأخرا.

ولكن مع الأسف إن هناك حالات كثيرة خصوصا في المجتمعات العربية يحصل فيها الاعتداء على مال النساء، ولا يعرف الكثير منهن كيف تحمي نفسها، ولهذا سيكون هذا التقرير للحديث عن بعض الجوانب التي تستطيع المرأة من خلالها حماية نفسها. حق المرأة في التملك والتصرف في ملكها بداية؛ فإن الشريعة الإسلامية جاءت بالمساواة بين الرجل والمرأة في حق التملك، ومباشرة العقود والتصرفات بجميع أنواعها،
فالمرأة إذا بلغت وكانت بكامل أهليتها زالت عنها ولاية وليها أو الوصي عليها، سواء أكان أبا أو أخا أو غيره، مثلها مثل الرجل أيضا، ويكون لها حق التصرف في شؤونها المالية.

فالشريعة الإسلامية جعلت للمرأة الحق الكامل في التملك الخاص بها، وجعلتها صاحبة الأمر فيما تملك ولها إدارته والتصرف فيه كيفما تشاء، كما إن الإسلام حظر على الرجل أن يمد يده إلى شيء منه إلا بإذنها ورضاها، فأعطى الإسلام المرأة حق التملك وحق التصرف في ملكها بما تشاء، سواء كان بالبيع أو الشراء أو الهبة أو الصدقة أو الوصية أو الإجارة أو الإنفاق أو الوقف أو الرهن وخلافه. كما إنه لا يحق للأب أو الزوج أو غيرهما أن يملي على المرأة كيفية إنفاق مالها جبرا كالتصرف بمهرها أو راتبها أو أي مال آخر لها تملكه، وهو حق لها وحدها، كما أنه لا يحق للزوج أن يجعل المرأة تنفق على نفسها فيما يلزمه الإنفاق عليها، ولا يجوز له جبرها بالإنفاق عليه؛ لأن هذه النفقات من مسؤولياته الزوجية وليست على المرأة، فإن فعلت ذلك فهو إحسان منها. حق المرأة في الميراث للمرأة حق ثابت في الإرث، وقد فصل القرآن ذلك الحق، ولم يتركه حتى للسنة النبوية الشريفة أو لاجتهادات الفقهاء، الأمر الذي يعتبر أول إعلان لحقوق المرأة في التاريخ البشري، بينما نجد في الحضارات القديمة تحرمها من حقها في الإرث، فالأحكام الشرعية حددت نصيب المرأة في الميراث بالتفصيل، ومن العار أن تجد حالات تحرم فيها المرأة من حقها في الإرث بينما كفله الله لها في كتابه الكريم.

حق المرأة في التقاضي والدفاع عن نفسها ومالها من الأفكار الجاهلية التي كانت سائدة في مجتمعاتها أن المرأة عندما تطالب في حقها الشرعي في الإرث مثلا وكأنها قد فعلت منكرا أو عيبا، بينما هذا جزء من حقها الشرعي والنظامي الذي يكفله لها الشرع والنظام، ومن الواجب إنصافها بالحق في كل دعوى تطالب فيها بحقها، ولا شك أن للمرأة حق التقاضي والدفاع عن نفسها، وعن ملكها، كما أن للمرأة حق إقامة الدعوى لتحفظ نفسها أو مالها أو لتسترد مالها وما تملك أهم الصور التي تضيع فيها حقوق المرأة يتكرر في بعض المجتمعات عدد من الصور التي تفقد المرأة فيها عددا من حقوقها.

ومن أهم تلك الصور حق المرأة في النفقة عليها من الزوج، فكثير من النساء يهملها الزوج ولا ينفق عليها لسنوات طويلة، بينما تخجل أو لا تعلم أنها تستطيع المطالبة بالنفقة من خلال القضاء. كما من الصور حق المرأة في المهر الذي كثيرا ما يسطو عليه الولي من أب أو أخ أو غيرهما، بينما هو حق خالص لها، والصورة الأكثر انتشارا هي فقدان المرأة لحقها في الميراث خصوصا في العقار، حيث لا تزال توجد عادات جاهلية يسيطر من خلالها الذكور على الإرث، وأحيانا الأخ الأكبر، ولا تعلم المرأة بأنه يمكنها حماية نفسها حتى دون الاضطرار أحيانا للذهاب للمحكمة.
وسائل حماية المرأة لحقها من أهم الوسائل القانونية التي تحمي فيها المرأة حقوقها؛ الاحتفاظ بالأدلة المادية على حقوقها، مثل الاحتفاظ بدليل عدم النفقة عليها من خلال الشهود أو غيره. أما في مثل حالة الإرث؛ فإنه يمكنها فعل شيء أساس وهو عدم توكيل أي أحد بالتصرف في الإرث ما يجعل التصرف في الإرث صعبا جدا خصوصا في البيع، وبهذا لا يستطيع بقية الورثة من التصرف بالإرث إلا بموافقتها.

ولكن هذا لا يمنع من أنواع التصرف الأخرى، حيث يمكن تأجيره واستثماره في أحيان كثيرة دون الحاجة للوكالة، وبالتالي فإن المرأة في هذه الحالة يجب عليها رفع دعوى قضائية أو على الأقل جمع معلومات موثقة عن قيمة الإيجار وتواريخه وهكذا.

كانت المرأة قبل الإسلام لا قيمة لها ولا شأن، بل كانت تُوَرّث كما تُوَرّث الأموال والمتاع والأنعام، فجاء الإسلام ورفع من قدرها وعظم شأنها، وأبطل كل ما كان عليه العرب والعجم من حرمان النساء من حقوقهن المالية وعدم الاعتراف بأهليتهن والتضييق على تصرفاتهن، ولم يفرق بينهن وبين الرجال في هذا الشأن، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم.”

جاء الإسلام وأثبت للمرأة حق التملك والانتفاع والتصرف فيما تملكه، وجعل لها ذمة مالية مستقلة، لا يستطيع الرجل ولياً كان أو زوجاً التعدي علي أموالها وممتلكاتها، تحت مسمى الوصية أو الحجر أو أيّ مسمى آخر.
فالمرأة الرشيدة في شريعة الإسلام لها حق التملك وحق التعامل والتصرف في مالها كله أو بعضه بكافة صور وأساليب الكسب المباح والوسائل المشروعة؛ من استثمار، وتجارة، وإنفاق، وبيع وشراء، وإجارة، ومضاربة، ومزارعة، وتبرع، وهبة، ووصية، وتصدق، وإقراض، وتنازل، وإعارة، ورهن.. ولها أن تُبرم العقود المالية والتجارية بنفسها دون وسيط، وأن تُوكل عنها في مالها، وأن تَضمن غيرها، وأن تخاصم الغير في حقوقها المالية أمام القضاء.. إلى غير ذلك من صور المعاملات المالية والاقتصادية؛ كل ذلك من غير سلطان أو إذن أو إشراف من وليها أو زوجها دون إرادتها. قال صاحب الظلال عند تفسيره لقوله تعالى: ) لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ( [ النساء: من الآية32 ] : ” ونسجل هنا ما منحه الإسلام للمرأة في هذا النص من حق الملكية الفردية، وهو الحق الذي كانت الجاهلية العربية – كغيرها من الجاهليات القديمة – تحيف عليه، ولا تعترف به للمرأة – إلا في حالات نادرة – ولا تفتأ تحتال للاعتداء عليه.

إذ كانت المرأة ذاتها مما يُستَولى عليه بالوراثة كالمتاع! وهو الحق الذي ظلت الجاهليات الحديثة – التي تزعم أنها منحت المرأة من الحقوق والاحترام ما لم يمنحه لها منهج آخر – تتحيفه، فبعضها يجعل الميراث لأكبر وارث من الذكور، وبعضها يجعل إذن الولي ضرورياً لتوقيع أي تعاقد للمرأة بشأن المال، ويجعل إذن الزوج ضرورياً لكل تصرف مالي من الزوجة في مالها الخاص! وذلك بعد ثورات المرأة وحركاتها الكثيرة، وما نشأ عنها من فساد في نظام المرأة كله، وفي نظام الأسرة، وفي الجو الأخلاقي العام.

فأما الإسلام فقد منحها هذا الحق ابتداءً، وبدون طلب منها، وبدون ثورة، وبدون جمعيات نسوية، وبدون عضوية برلمان!! منحها هذا الحق تمشياً مع نظرته العامة إلى تكريم الإنسان جملة، وإلى تكريم شِقَّيْ النفس الواحدة، وإلى إقامة نظامه الاجتماعي كله على أساس الأسرة، وإلى إحاطة جو الأسرة بالود والمحبة والضمانات لكل فرد فيها على السواء، ومن هنا كانت المساواة في حق التملك وحق الكسب بين الرجال والنساء من ناحية المبدأ العام.”

وإلى يومنا هذا ما زالت المرأة في كثير من البلدان الغربية تعاني من التمييز ضدها، خاصة في حقوقها المالية، فذمتها المالية في العديد من هذه المجتمعات غير منفصلة عن الذمة المالية لزوجها.

وفي الوقت الذي شاعت فيه شبهات من ينسبون أنفسهم إلى الإسلام، من دعاة التغريب وأدعياء تحرير المرأة وجمعياتهم النسائية المشبوهة، نجد العديد من المنصفين من غير المسلمين قد شهدوا وأقروا بسبق الإسلام وإنصافه للمرأة بهذا المبدأ الراقي وغيره من مبادئ الإسلام وتشريعاته السامية، وأنه أعطاها ما لم يعطها غيره عبر تاريخ البشرية الطويل.

وهكذا كان سبق الإسلام في التأسيس لمبدأ ” الذمة المالية المستقلة للمرأة “ وارتقائه بشأنها وإنسانيتها وقيمتها وأهليتها، ” وهذه الدرجة التي رفع النساء إليها لم يرفعهن إليها دين سابق ولا شريعة من الشرائع، بل لم تصل إليها أمة من الأمم قبل الإسلام ولا بعده، وهذه الأمم الأوربية التي كان من آثار تقدمها في الحضارة والمدنية أن بالغت في تكريم النساء واحترامهن، وعنيت بتربيتهن وتعليمهن العلوم والفنون، لا تزال دون هذه الدرجة التي رفع الإسلام النساء إليها، ولا تزال قوانين بعضها تمنع المرأة من حق التصرف في مالها بدون إذن زوجها، وغير ذلك من الحقوق التي منحتها إياها الشريعة الإسلامية من نحو ثلاثة عشر قرنا ونصف”.

الدكتور عادل عامر الاعتداء علي المال الخاص للمرأة خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة