مقالات

أحمد رجب يكتب .. رحم الله نوال !!

خط أحمر

" تلاتين سنة .. ماتت فيهم حاجات كتير وضاعت فيهم حاجات كتير .. واتغيرت فيهم خريطة الدنيا .. إتشالت من عليها بلاد واتحطط بلاد .. واتغير اللي ماكنش ممكن يتصور إنة يتغير .. لكن الشئ الوحيد اللي متغيرش في التلاتين سنة دول .. هو حبي ليكي يانوال .. فين عيونك يانوال ؟؟!! " .

هكذا كانت هذة الكلمات هي تتر البداية للمسلسل الإذاعي الرمضاني " فين عيونك يانوال ' الذي كان يذاع عبر أثير موجات إذاعة الشرق الأوسط في رمضان في أوائل تسعينات القرن الماضي .. كان التتر بصوت الفنان القدير نور الشريف رحمة الله وشاركتة كلمات التتر وبطولة هذا العمل الفنانة القديرة أثار الحكيم .

كتب القصة للإذاعة المؤلف الكبير محفوظ عبدالرحمن وأخرجها للإذاعة المخرج الإذاعي الكبير حسني غنيم .

أتذكر أنني في هذة الأثناء كنت اقفز من علي ترابيزة السفرة وأسرع إلي غرفتي القديمة في مسقط رأسي بحي الشرابية وبجواري الراديو وأطفئ نور غرفتي وأستمع إلي حلقات هذا المسلسل .. كنت أسمع صوت والدي من الخارج وهو يسأل أمي رحمها الله ويقول " هو الواد دة كل يوم ميكملش فطارة ويقوم يجري كدة علي أوضتة " فترد أمي بكل ثقة وتقول " بيسمع يخويا فين عيونك يانوال " .. وأستمر اسمع الحلقة في نفس الوقت الذي تتسرب فية إلي مسامعي رنات الأطباق الصيني والصواني التي تحملها أمي من علي السفرة وتتجة بها صوب مطبخنا المتواضع .. وأسمع ايضاً صوت والدي الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ محمد رجب وهو ينادي علي أمي ويقول " الشاي ياحاجة " .. ولم تكن اصوات الصيني وصوت والدي يفقدوني تركيزي مع تفصيلات كل حلقة بل كانت هذة الأصوات الخارجية يمثابة مؤثرات بل مقطوعات موسيقية بالنسبة لي تشعرني بالدفء والإطمئنان والأمان والحب والإستقرار بل لا أبالغ إن قلت أن التوقيت الذي كان والدي ينادي فية علي أمي طالب منها كوب الشاي هو نفسة التوقيت الذي تنتهي فية الحلقة وكأن والدي كان يظبط ساعتة علي وقت إنتهاء الحلقات لدرجة أنني كنت احدث نفسي الطفولية البريئة وأهمس لها وأقول " يارب بابا ميطلبش الشاي " حتي يطول وقت الحلقة أكثر وأكثر .

أقول هذا الكلام بمناسبة ما نحن فية الآن من إسفاف غير مسبوق وإفلاس غير مبرر علي مستوي القنوات الخاصة وأيضاً علي مستوي القنوات الرسمية اللهم سوي ماسبيرو زمان التي مازالت تحافظ علي الهوية والأصالة .

ولم ولن أضرب أمثلة ببرامج أو مسلسلات لأن اغلب ما يقدمون ذلك هم زملاء أفاضل وأصدقاء أعزاء ولكني أتحدث عن منظومة بالكامل .. منظومة يعوزها أدني درجات الإبداع .. منظومة إعلامية أصابها الوهن والضعف والإضمحلال .

لم تكن العلة في من يلعبون أدوار رئيسية في الدراما التليفزيونية أو الإذاعية وإنما أري العلة تكمن في الورق المكتوب .. الورق أو بمعني أدق الإسكربت وهو أشهر المصطلحات العلمية في فنون الكتابة للراديو والتليفزيون لم يعد خلاقاً ولا مبدعاً ولا مطوراً ولا جذابٱ ولا مجدداً .

أنا علي يقين بأن مصر ولادة وأن هنالك مبدعين ومبدعين من مؤلفين موهوبين ومخرجين متميزين ولكن أين هم ؟

هل يعقل أننا حتي الآن مازلنا نعيش علي أطلال العبقري صالح مرسي الذي كتب رأفت الهجان ودموع في عيون وقحة !! .. هل يعقل أننا حتي الآن مازلنا نترحم علي أيام الحلمية وزيزنيا ونهمس لأنفسنا متسائلين " فين بقي أسامة أنور عكاشة ؟؟ "

وغيرها وغيرها من الإبداعات والمبدعين ومعظمهم " خرج ولم يعد !!! " .

هل إختلف الذوق العام بمعني أن العيب يكمن في أنفسنا وأنا لا ارجح ذلك علي الإطلاق من وجهة نظري !! .. أم أن هنالك إفلاس حقيقي في الإبداع ولا أرجح ذلك أيضٱ لأنني كما قلت ٱنفٱ مصر ولادة وزاخرة بالموهوبين والمبدعين !! .. ام أن إعلانات السبوبة والمصالح والمجاملات والبيزنس والشللية إن جاز التعبير وإحتكار الإنتاج سواء التليفزيوني أو الإذاعي في شركة أو شركتين من شركات الإنتاج العملاقة التي لا تعرف لها مصادر تمويل سوي أنها أو أنهما أصبحوا في غفلة من الزمن هم أسياد صناعة الدراما التليفزيونية والإذاعية وهم في الأساس شركات خاصة يتبادلون الإسكربتات وبتعاقدون علي المسلاسلات ويفرضون علي أمهاتنا النجوم والنجمات بعد مشاورات سريعة وقرارات أسرع يصدر معظم هذه القرارات في الغرف المغلقة ومعظم هذه الغرف تجدها غرف الجيم الذهبي الرهيب أو الأوتيل الشيك المطل علي النيل أو الكافية الشهير الذي تجتمع فية الشلة أو من وجهة نظري افراد العصابة .

نعم افراد العصابة الذين سرقوا منا القيم والمبادئ وحرمونا من هويتنا .

أري عدم وجود فرق بينهم وبين الماسونية العالمية فهذة وهؤلاء يسعون إلي طمس الهوية وتحطيم الذوق العام .

إنني في هذا المقام اردد أنا الآخر ماقالة الفنان الراحل نور الشريف في تتر المسلسل الإذاعي القيم الذي كان يذاع علي أثير موجات إذاعة الشرق الأوسط في أوائل تسعينات القرن الماضي .. اقول نفس كلامة بنفس مشاعرة ونفس إحساسة " تلاتين سنة ماتت فيهم حاجات كتير وضاعت فيهم حاجات كتير .. واتغيرت خريطة العالم .. إتشالت من عليها بلاد واتحطط بلاد واتغير اللي ماكنش ممكن يتصور إنة يتغير"!....... اعتقد أننا لم نعد في حاجة الآن ياسادة بأن نتسائل ونقول " فين عيونك يانوال؟! " .... اعتقد أن الأصوب الآن هو أن نقول " رحم الله نوال " !!

أحمد رجب رحم الله نوال
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة