مقالات

نيفين منصور تكتب: ماذا بعد المنصة؟

خط أحمر

منذ أيام قليلة وقع الدكتور طارق شوقي بروتوكول تعاون مع أورنج مصر ، لتقديم خدمات الاستضافة وتوفير البنية الأساسية السحابية اللازمة لتشغيل وإدارة منصة رقمية للدروس الإلكترونية تطلقها الوزارة، لتتيح للطلاب من خلالها الوصول إلي محتويات المناهج الدراسية بسهولة وذلك لمدة ثلاث سنوات، كما سيتم استخدام أورنج كاش كوسيلة لسداد المقابل المادي للمنصة عبر الهواتف المحمولة.

وأوضح شوقي ، أن ما تم من اتفاق هو في إطار تنفيذ استراتيجية متكاملة للتطوير في المنظومة التعليمية، و هو يعد اتباع لسياسات جديدة للدولة تعتمد بشكل كبير علي الوسائل التكنولوجية تنفيذاً لخطة الدولة للتعامل مع أي تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد .

وتعد تلك الخطوة بالفعل من أعمال التطوير الحديثة التي لم تشهدها مصر من قبل والتي أثبتت أهميتها ربما حتي قبل تطبيقها في ظل ما نمر به من انتشار جائحة عالمية لم نشهدها من قبل ،، تسببت في إصابة عدد كبير من سكان العالم بفيروس كورونا المستجد وتوفي علي أثرها أكثر من ٨٠٠ الف من سكان العالم،، وأُغلقت المدارس والمطارات الدولية ، وتم إعلان حظر التجول في مختلف دول العالم.

ولكن رغم أهمية تلك الخطوة ،، إلا أنها أثارت غضب عدد كبير من المعلمين ،، وخصوصاً بعد محاربة وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بالتعاون مع وزارة الداخلية مراكز التعليم الخاصة في مختلف محافظات مصر ،، في إطار محاربة الدولة للدروس الخصوصية ،، ومنع التجمعات حفاظاً علي صحة وسلامة الطلاب في مراحل التعليم المختلفة لتجنب الإصابة بوباء كوفيد ١٩.

وتعددت التساؤلات بين جمهور المعلمين وأولياء الأمور علي حد سواء ، ماذا بعد المنصة؟ هل ستقضي وزارة التربية والتعليم تماماً علي ظاهرة الدروس الخصوصية ومراكز التعليم الخاصة نهائياً ، أم أن تلك الحرب الشرسة التي قادتها وزارة التربية و التعليم في الفترة السابقة سوف تهدأ من جديد وتترك الاختيار للطالب وولي الأمر بين الاشتراك في خدمة المنصة الالكترونية أو العودة للطرق التقليدية والدروس الخصوصية سواء كانت منزلية أو في مراكز التعليم الخاصة؟

كما تساءل البعض أيضاً ،هل قامت وزارة التربية والتعليم بعمل دراسة متكاملة لكافة النواحي الاجتماعية والاقتصادية لمعرفة تأثير إلغاء المراكز التعليمية الخاصة و الدروس الخصوصية علي مستوي محافظات مصر بالكامل ،، أم أن التعليم بالسبل التقليدية سوف ينتهي للأبد مهما كانت عواقبه علي كافة فئات الشعب؟

هل تابعت وزارة التربية و التعليم التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء في النصف الثاني من عام ٢٠١٩ والذي أشار إلي أن نسبة المصريين الواقعين تحت خط الفقر قد ارتفع إلي ٣٢.٥٪؜ وفقا لبحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام ٢٠١٧-٢٠١٨ مما يعني أن نسبة الفقر قد ارتفعت بنسبة ٤.٧٪؜ مقارنة ببحث عام ٢٠١٥، ومن المعروف أن خط الفقر الكلي يشير إلي الحد الأدني من الدخل الذي لا يمكن للفرد تلبية احتياجاته الأساسية إذا لم يحصل عليه.

ووفقاً لما ورد في التقرير ، تصدر صعيد مصر قائمة المحافظات الأكثر فقراً في الجمهورية ، حيث سجلت محافظة أسيوط نسبة فقر بين مواطنيها بلغت ٦٦.٧٪؜ ، ثم محافظة الأقصر ٥٥.٣٪؜ ، ويليها محافظة المنيا ٥٤٪؜ ثم محافظة قنا بنسبة ٤١٪؜ ، كما أشار التقرير إلي أن ما يقرب من ٤٦ قرية في محافظتي أسيوط وسوهاج بصعيد مصر تتراوح نسبة الفقر فيها بين ٨٠ -١٠٠٪؜

كما أضاف التقرير أن معدل خط الفقر للفرد في السنة المالية ٢٠١٧-٢٠١٨ بلغ ٨٨٢٧ جنيها سنويا بما يعادل ٧٣٦ جنيها شهريا فيما بلغ خط الفقر المدقع ما يعادل ٤٩١ جنيها شهريا ، بينما يقدر معدل خط الفقر العالمي بحوالي ١.٩ دولار يوميا للفرد وذلك وفقا لآخر أرقام البنك الدولي الصادرة عام ٢٠١٥.
وهو يُقَّدَر بما يقرب من ٩٠٠ جنيه مصري شهريا ،، وهذا يعني أن من هم تحت خط الفقر في مصر دخل الفرد فيهم أقل من دخل من هم تحت خط الفقر علي المستوي العالمي بحوالي ١٦٤ جنيه شهريا أما من هم تحت خط الفقر المدقع ففارق دخل الفرد فيهم يعادل ٤٠٩ جنيه وهو أقل من نصف دخل الفرد تحت خط الفقر علي المستوي العالمي.

ثم جاءت جائحة كورونا ليزداد عدد الفقراء علي مستوي العالم وبالتأكيد في مصر أيضاً، حيث تعطلت الأعمال في مختلف المجالات و ازدادت الخسائر في قطاعات كثيرة ، وفقد عدد كبير من سكان العالم وظائفهم ومازال البعض يعانون من آثار تلك الجائحة التي لم تنتهي حتي الآن وربما ستستمر لفترات أخري و لا يعلم أحد متي ستنتهي ، وبالتالي زاد عدد الفقراء في مصر من جديد وربما سيظل في تزايد إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ويأذن برفع البلاء وانتهاء الوباء.

ووفقاً لما ورد في تقرير وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني الصادر عام ٢٠٢٠ ، يبلغ عدد المدارس الحكومية في مصر ٥٦ ألف ٥٦٩ مدرسة،اجمالي ما بداخلها من فصول حوالي ٤٢٩ ألف و ٨٨٤ فصل ويبلغ إجمالي عدد الطلاب الدارسين بالمدارس الحكومية ٢٣ مليون و ٥٦٧ ألفا و ٦٠ طالب وطالبة في العام الدراسي ٢٠١٩-٢٠٢٠ علي مستوي جميع محافظات مصر ، فهل تم مراعاة الطلبة الذين يعانون من الفقر أو من هم تحت خط الفقر والفقر المدقع عند اتخاذ قرار المنصة وإعلان الحرب علي الدروس الخصوصية والمراكز التعليمية الخاصة التي تعمل مقابل أجور زهيدة؟ أم أن توجه الوزارة للمنصة لم يراعي تلك الفئات الفقيرة والأشد فقرا من الطلاب ويأتي فقط لصالح الفئات متوسطة الدخل والفئات الغنية ؟

بالتأكيد لا يمكن مقارنة سكان المحافظات وسكّان القاهرة الكبري بسكان القري والنجوع الفقيرة ، فاختلاف الإمكانيات واضحاً كذلك اختلاف المستوي المعيشي للفرد، بالاضافة إلى أن أسعار الدروس الخصوصية ومراكز التعليم الخاصة في الأماكن الأكثر فقرا تختلف اختلافا كبيرا عن أسعار نفس الخدمات في المحافظات الكبري، وتتصدر العاصمة بالتأكيد القائمة بأسعار الدروس المرتفعة كما تختلف باختلاف الحي فالدروس في مصر الجديدة و التجمع مثلا تختلف عن أسعار الدروس في حي عين شمس أو الأحياء العشوائية المنتشرة في القاهرة الكبري ، وبالتالي سيستفيد عدد كبير من الطلاب في تلك الأحياء الراقية من فرق السعر بين اشتراك الطالب في المنصة وبين الدرس الخصوصي أو السنتر وربما يحدث الفرق مع طلاب بعض الأحياء الأخري فيمتنعون عن الاشتراك في خدمة المنصة ، ولكن ماذا عن طلاب المحافظات التي ينتشر بها الفقر ،أو التي تم تصنيف بعض القري والنجوع فيها بأنها تحت خط الفقر ؟

هل القضاء علي الدروس الخصوصية الزهيدة الثمن أو محاربة المراكز التعليمية الخاصة التي يتم اداراتها بمبالغ رمزية مراعاة للظروف المعيشية لسكان تلك المناطق واستبدال تلك الخدمات بخدمات المنصة الالكترونية قرار قد تم دراسته بدقة ؟ وماهي احتمالية نجاح هذا التطور التكنولوجي في ظل ارتفاع خدمات الانترنت في مصر وخصوصا بعد تصنيف كلفة الانترنت ومكالمات المحمول في مصر بأنها الأعلي عربياً وذلك وفقا للتقرير الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات في يوليو الماضي والذي أوضح أن مصر جاءت في المركز ٤٨ عالميا من ناحية أسعار باقات الانترنت والمكالمات كثيفة الاستهلاك ، كما أشار التقرير إلي أن باقات الانترنت ومكالمات المحمول في مصر أكثر كلفة مقارنة بالدول العربية الثرية عند قياسها طبقا لنصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي.

كما أشارت البيانات إلي أن أسعار الانترنت الثابت في مصر مرتفعة نسبيا بسعر باقات في المتوسط ٧.٠٦ دولار ، بالاضافة إلي مشاكل البنية التحتية وانقطاع الانترنت وأعطاله التي يعاني منها الجميع علي مستوي محافظات مصر بالكامل .

ويبقي السؤال الذي يتردد علي ألسنة الكثيرين في حاجة الي رد مقنع ودقيق، ماذا بعد المنصة ؟ وهل هذا هو الوقت المناسب لتطبيق خطة دمج التكنولوجيا بالتعليم علي مستوي جميع المراحل الدراسية وتعميمه علي مستوي مصر في ظل ازدياد الفقر وارتفاع نسبة البطالة مع انتشار كورونا أم سيأتي التطوير في صالح الأغنياء فقط وعلي حساب الفقراء من أبناء الشعب المصري؟

نيفين منصور ماذا بعد المنصة خط أحمر
قضية رأي عامswifty
بنك مصر
بنك القاهرة